فصل: السنة التي حكم فيها هرثمة وهي سنة ثلاث وثلاثين ومائتين

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **


 السنة التي حكم فيها هرثمة وهي سنة ثلاث وثلاثين ومائتين

فيها كانت زلزلة عظيمة بدمشق سقط منها شرفات الجامع الأموي وانصدع حائط المحراب وسقطت منارته وهلك خلق تحت الردم وهرب الناس إلى المصلى باكين متضرعين إلى الله وبقيت ثلاث ساعات ثم سكنت‏.‏

وقال القاضي أحمد بن كامل في تاريخه‏:‏ رأى بعض أهل دير مران دمشق تنخفض وترتفع مرارًا فمات تحت الردم معظم أهلها - هكذا قال ولم يقل بعض أهلها - ثم قال‏:‏ وكانت الحيطان تنفصل حجارتها من بعضها مع كون الحائط عرض سبعة أذرع ثم امتدت هذه الزلزلة إلى أنطاكية فهدمتها ثم إلى الجزيرة فأخربتها ثم إلى الموصل‏.‏

يقال‏:‏ إن الموصل هلك من أهله خمسون ألفًا ومن أهل أنطاكية عشرون ألفًا‏.‏

وفيها أصاب القاضي أحمد بن أبي داود فالج عظيم وبطلت حركته حتى صار كالحجر الملقى‏.‏

وأحمد هذا هو القائل بخلق القرآن يأتي ذكره عند وفاته في هذا الكتاب في محله إن شاء الله تعالى‏.‏

وفيها في شهر رمضان ولى الخليفة المتوكل على الله ابنه محمدًا المنتصر الحرمين والطائف‏.‏

وفيها عزل المتوكل الفضل بن مروان عن ديوان الخراج وولاه الفتح بن خاقان‏.‏

وفيها غضب المتوكل وفيها قدم يحيى بن هرثمة بن أعين - وكان ولي طريق مكة - بالشريف علي بن محمد بن علي الرضى العلوي من المدينة وكان قد بلغ المتوكل عنه شيء‏.‏

وفيها توفي بهلول بن صالح أبو الحسن التجيبي كان إمامًا حافظًا قدم بغداد وحدث بها ومن رواياته عن ابن عباس رسالة زياد بن أنعم‏.‏

وفيها توفي محمد بن سماعة بن عبيد الله بن هلال بن وكيع بن بشر أبو عبد الله القاضي الحنفي التيمي ولد سنة ثلاثين ومائة وكان إمامًا عالمًا صالحًا بارعًا صاحب اختيارات وأقوال في المذهب وله المصنفات الحسان وهو من الحفاظ الثقات ولي القضاء وحمدت سيرته ولم يزل به إلى أن ضعف نظره واستعفى وكان يصلي كل يوم مائتي ركعة‏.‏

قال‏:‏ مكثت أربعين سنة لم تفتني التكبيرة الأولى في جماعة إلا يومًا واحدًا ماتت فيه أمي ففاتتني صلاة واحدة وصليت خمسًا وعشرين صلاة رحمه الله تعالى‏.‏

وفيها توفي محمد بن عبد الملك بن أبان بن أبي حمزة الزيات الوزير أبو يعقوب وقيل‏:‏ أبو جعفر‏.‏

أصله من جيل قرية تحت بغداد‏.‏

قلت‏:‏ ومنها كان أصل الشيخ عبد القادر الكيلاني‏.‏

وكان أبو محمد هذا تاجرًا وانتمى هو للحسن بن سهل فنوه بذكره حتى اتصل بعمه بالمعتصم ثم استوزره الواثق‏.‏

وكان أديبًا فاضلًا شاعرًا عارفًا بالنحو واللغة جوادًا ممدحًا ومن شعر على فإن سرت بالجثمان عنكم فإنني أخلف قلبي عندكم وأسير فكونوا عليه مشفقين فإنه رهين لديكم في الهوى وأسير قلت‏:‏ وما أحسن قول القاضي ناصح الدين الرزجاني في هذا المعنى‏:‏ ‏"‏ الكامل ‏"‏ لم يبكني إلا حديث فراقهم لما أسر به إلي مودعي هو ذلك المر الذي أودعتم في مسمعي أجريته من مدمعي قلت‏:‏ وهذا مثل قول الزمخشري في قوله لما رثى شيخه أبا مضر - والله أعلم من السابق لهذا المعنى لأنهما كانا متعاصرين -‏:‏ ‏"‏ الكامل ‏"‏ وقائلة ما هذه الدرر التي تساقط من عينيك سمطين سمطين فقلت لها الدر الذي كان قد حشا أبو مضر أذني تساقط من عيني وفيها توفي الإمام الحافظ الحجة يحيى بن معين بن عون بن زياد بن بسطام - وقيل‏:‏ غياث بدل عون - أبو زكريا المري ‏"‏ مرة بن غطفان مولاهم البغدادي الحافظ المشهور كان إمام عصره في الجرح والتعديل وإليه المرجع في ذلك وكان يتفقه بمذهب الإمام أبي حنيفة‏.‏

قال الإمام محمد بن إسماعيل البخاري‏:‏ ما استصغرت نفسي إلا عند يحيى بن معين‏.‏

ومولده في سنة ثمان وخمسين ومائة فهو أسن من علي بن المديني وأحمد بن حنبل وأبي بكر بن أبي شيبة وإسحاق بن راهويه وكانوا يتأدبون معه ويعرفون له فضله وروى عنه خلائق لا تحصى كثرة‏.‏

قال أبو حاتم‏:‏ يحيى بن معين إمام‏.‏

وقال النسائي‏:‏ هو أبو زكريا الثقة المأمون أحد الأئمة في الحديث‏.‏

وقال علي بن المديني‏:‏ لا نعلم أحدا من لدن آدم كتب من الحديث ما كتب يحيى بن معين‏.‏

وعن يحيى بن معين قال‏:‏ كتبت بيدي ألف ألف حديث‏.‏

وقال علي بن المديني‏:‏ انتهى علم الناس إلى يحيى بن معين‏.‏

وقال القواريري‏:‏ قال لي يحيى القطان‏:‏ ما قدم علينا أحد مثل هذين الرجلين‏:‏ مثل أحمد بن حنبل ويحيى بن معين‏.‏

وقال أحمد بن حنبل‏:‏ كان يحيى بن معين أعلمنا بالرجال‏.‏

وعن أبي سعيد الحداد قال‏:‏ الناس عيال في الحديث على يحيى بن معين‏.‏

وقال محمد بن هارون الفلاس‏:‏ إذا رأيت الرجل ينتقص يحيى بن معين فاعرف أنه كذاب‏.‏

وكانت وفاة يحيى بن معين لسبع بقين من ذي القعدة بالمدينة ودفن بالبقيع‏.‏

قال الذهبي‏:‏ وقال حبيش بن المبشر وهو ثقة‏:‏ رأيت يحيى بن معين في النوم فقلت له‏:‏ ما فعل الله بك قال‏:‏ أعطاني وحباني وزوجني ثلاثمائة حوراء ومهد لي بين البابين الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي أحمد بن عبد الله بن أبي شعيب الحراني وإبراهيم بن الحجاج السامي وإسحاق بن سعيد بن الأركون الدمشقي وحبان بن موسى المروزي وسليمان بن عبد الرحمن ابن بنت شرحبيل وداهر بن نوح الأهوازي و روح بن صلاح المصري وسهل بن عثمان العسكري وعبد الجبار بن عاصم النسائي وعقبة بن مكرم الضبي ومحمد بن سماعة القاضي ومحمد بن عائذ الكاتب والوزير محمد بن عبد الملك بن الزيات ويحيى بن أيوب المقابري ويحيى بن معين ويزيد بن موهب الرملي‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ثلاثة أذرع وأربعة عشر إصبعًا‏.‏

مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعًا وعشرون إصبعًا‏.‏

M0لية حاتم بن هرثمة على مصر هو حاتم بن هرثمة بن نصر الجبلي أمير مصر‏.‏

وليها باستخلاف أبيه له بعد موته في الثالث والعشرين من شهر رجب سنة أربع وثلاثين ومائتين على الصلاة وأرسل كاتب الأمير إيتاخ التركي المعتصمي الذي إليه أمر مصر في ولايته عليها مكان أبيه‏.‏

وسكن العسكر على عادة أمراء مصر‏.‏

وجعل على شرطته محمد بن سويد‏.‏

وأخذ في إصلاح أحوال الديار المصرية وبينما هو في ذلك ورد عليه كتاب الأمير إيتاخ بصرفه عن إمرة مصر وتولية علي بن يحيى الأرمني ثانيًا على مصر وكان ذلك في يوم الجمعة لست خلون من شهر رمضان سنة أربع وثلاثين ومائتين المذكورة‏.‏

فكانت ولاية حاتم هذا على مصر من يوم مات أبوه شهرًا واحدًا وثلاثة عشر يومًا‏.‏

وكان حاتم هذا جليلًا نبيلًا وعنده معرفة وحسن تدبير إلا أنه لم يحسن أمره مع إيتاخ لطمع كان في إيتاخ التركي الذي كان إليه أمر مصر بعد أشناس وكلاهما كان تركيًا‏.‏

ولم أقف على وفاة حاتم بن هرثمة هذا‏.‏

السنة التي حكم في أولها إلى رجب هرثمة بن نصر ومن رجب إلى شهر رمضان ابنه حاتم بن هرثمة ومن رمضان إلى آخرها علي بن يحيى الأرمني‏.‏

وهي سنة أربع وثلاثين ومائتين‏.‏

فيها هبت ريح بالعراق شديدة السموم لم يعهد مثلها أحرقت زرع الكوفة والبصرة وبغداد وقتلت المسافرين ودامت خمسين يومًا ثم اتصلت بهمذان فأحرقت أيضًا الزرع والمواشي ثم اتصلت بالموصل وسنجار ومنعت الناص من المعاش في الأسواق ومن المشي في الطريق وأهلكت خلقًا‏.‏

وفيها حج بالناس من العراق الأمير محمد بن داود بن عيسى العباسي وكان له عدة سنين يحج بالناس‏.‏

وفيها أظهر الخليفة المتوكل على الله جعفر السنة بمجلسه وتحدث بها ونهى عن القول بخلق القرآن وكتب بذلك إلى الآفاق حسبما ذكرناه في ترجمة هرثمة هذا وأستقدم العلماء وأجزل عطاياهم‏.‏

ولهذا المعنى قال بعضهم‏:‏ الخلفاء ثلاثة‏:‏ أبو بكر الصديق رضي الله عنه يوم الردة وعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه في رد مظالم بني أمية والمتوكل في إظهار السنة‏.‏

وفيها خرج عن الطاعة محمد ‏"‏ بن البعيث ‏"‏ لملأ أمير إرمينية وأذربيجان وتحصن بقلعة مرند فسار لقتاله بغا الشرابي في أربعة آلاف فنازله وطال الحصار بينهم وقتل طائفة كبيرة من عسكر بغا ودام ذلك بينهم إلى أن نزل محمد بالأمان وقيل‏:‏ بل تدلى ليهرب فأسروه‏.‏

وفيها فوض الخليفة المتوكل لإيتاخ متولي إمرة مصر الكوفة والحجاز وتهامة ومكة والمدينة مضافًا على مصر ودير له على المنابر‏.‏

وحج إيتاخ من سنته وقد تغير خاطر المتوكل عليه‏.‏

فلما عاد من الحج كتب المتوكل إلى إسحاق بن إبراهيم بن مصعب بالقبض عليه في الباطن إن أمكنه فتحايل عليه إسحاق حتى قبض عليه وقيده بالحديد وقتله عطشًا وكتب محضرًا أنه مات حتف أنفه‏.‏

وكان أصل إيتاخ هذا مملوكًا من الخزر طباخا لسلام الأبرش فاشتراه المعتصم فرأى له رجلة وبأسًا فقربه ورفعه ثم ولاه الواثق بعد ذلك الأعمال الجليلة‏.‏

وكان من أراد المعتصم والواثق والمتوكل قتله سلمه إليه فقتل إيتاخ هذا مثل عجيف والعباس بن المأمون وابن الزيات الوزير وغيرهم‏.‏

وفيها توفي زهير بن حرب بن شداد أبو خيثمة النسائي كان عالمًا ورعًا فاضلًا رحل إلى البلاد وسمع الكثير وحدث وروى عنه جماعة وكان من أئمة الحديث‏.‏

وفيها توفي سليمان بن داود بن بشر بن زياد الحافظ أبو أيوب البصري المنقري المعروف بالشاذكوني رحل إلى البلاد وسمع الكثير وحدث وروى عن خلائق وروى عنه جمع كبير وهو أحد الأئمة الحفاظ الرحالين‏.‏

وفيها توفي سليمان بن عبد الله بن سليمان بن علي بن عبد الله بن العباس الأمير أبو أيوب الهاشمي العباسي أحد أعيان بني العباس وأحد من ولي الأعمال الجليلة مثل المدينة والبصرة واليمن وغيرها‏.‏

وفيها توفي علي بن عبد الله بن جعفر بن يحيى بن بكر بن سعيد وقيل‏:‏ جعفر بن نجيح بن بكر الإمام الحافظ الناقد الحجة أبو الحسن السعدي مولاهم البصري الذاري المعروف بابن المديني كان إمام عصره في الجرح والتعديل والعلل وكان أبوه محدثًا مشهورًا‏.‏

ومولد علي هذا في سنة إحدى وستين ومائة وهو أحد الأعلام وصاحب التصانيف وسمع أباه وحماد بن زيد وابن عيينة والدراوردي ويحيى القطان وعبد الرحمن بن مهدي وابن علية وعبد الرزاق وخلقًا سواهم وروى عنه البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجة والترمذي عن رجل عنه وأحمد بن حنبل ومحمد بن يحيى الذهلي وخلق سواهم‏.‏

وعن أبن عيينة قال‏:‏ يلومونني على حب علي بن المديني والله إني لأتعلم منه أكثر مما يتعلم مني‏.‏

وعن ابن عيينة قال‏:‏ لولا علي بن المديني ما جلست‏.‏

وقال النسائي‏:‏ كأن الله خلق علي بن المديني لهذا الشأن‏.‏

وقال السراج‏:‏ سمعت محمد بن يونس أيقول‏:‏ سمعت ابن المديني يقول‏:‏ تركت من حديثي مائة ألف حديث منها ثلاثون ألفًا لعباد بن صهيب‏.‏

وقال السراج‏:‏ قلت للبخاري‏:‏ ما تشتهي‏.‏

قال‏:‏ أن أقدم العراق وعلي بن المديني حي فأجالسه‏.‏

قال البخاري‏:‏ مات علي بن عبد الله يعني ابن المديني ليومين بقيا من ذي القعدة بالمدينة سنة أربع وثلاثين ومائتين‏.‏

وقال الحارث وغير واحد‏:‏ مات بسامرا في ذي القعدة‏.‏

وقال الإمام أبو زكريا النووي‏:‏ لابن المديني في الحديث نحو مائتي مصنف‏.‏

وفيها توفي يحيى بن أيوب البغدادي العابد الصالح ويعرف بالمقابري لأنه كان يتعبد بالمقابر وكان له أحوال وكرامات‏.‏

الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي أحمد بن حرب النيسابوري الزاهد وروح بن عبد المؤمن القارىء وأبو خيثمة زهير بن حرب وسليمان بن داود الشاذكوني وأبو الربيع سليمان بن داود الزهراني وعبد الله بن عمر بن الرماح قاضي نيسابور وأبو جعفر عبد الله بن محمد النفيلي وعلي بن بحر القطان وعلي بن المديني ومحمد بن عبد الله بن نمير ومحمد بن أبي بكر المقدمي والمعافى بن سليمان الرسعني ويحيى بن يحيى الليثي الفقيه‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم خمسة أذرع وعشرون إصبعًا‏.‏

مبلغ الزيادة خمسة عشر ذراعًا واثنان وعشرون إصبعًا‏.‏

ولاية علي بن يحيى الثانية على مصر قد تقدم الكلام على ولاية علي بن يحيى هذا أولًا على مصر ثم وليها ثانيًا في هذه المرة بعد عزل حاتم بن هرثمة بن نصر عنها من قبل الأمير إيتاخ المعتصمي على الصلاة في يوم سادس شهر رمضان سنة أربع وثلاثين ومائتين فسكن علي بن يحيى بالعسكر على عادة الأمراء وجعل على شرطته معاوية بن نعيم‏.‏

وأستمر علي هذا على مرة مصر إلى أن قبض الخليفة المتوكل على الله جعفر على ايتاخ المذكور في المحرم سنة خمس وثلاثين ومائتين وقدم الخبر على الأمير علي هذا بالقبض على إيتاخ والحوطة على ماله بمصر فاستصفيت أمواله وترك الدعاء له على منابرها بعد الخليفة وأن المتوكل ولى ابنه وولي عهده محمدًا المنتصر مصر وأعمالها كما كان لإيتاخ المذكور فدعي عند ذلك للمنتصر على منابر مصر فكان حكم إيتاخ على الديار المصرية أربع سنين‏.‏

ولما ولي المنتصر إمرة مصر أقر علي بن يحيى هذا على عمل مصر على عادته فاستمر عليها إلى أن صرفه المنتصر عنها بإسحاق بن يحيى بن معاذ في ذي الحجة سنة خمس وثلاثين ومائتين‏.‏

فكانت ولايته على مصر في هذه المرة الثانية سنة واحدة وثلاثة أشهر تنقص أيامًا‏.‏

وخرج من مصر وتوجه إلى العراق وقدم على الخليفة المتوكل على الله جعفر وصار عنده من كبار قواده‏.‏

وجهزه في سنة تسع وثلاثين ومائتين إلى غزو الروم فتوجه بجيوشه إلى بلاد الروم فأوغل فيها فيقال‏:‏ إنه شارف القسطنطييية فأغار على الروم وقتل وسبى حتى قيل‏:‏ إنه أحرق ألف قرية وقتل عشرة آلاف علج وسبى عشرة آلاف رأس وعاد إلى بغداد سالمًا غانمًا فزادت رتبته عند المتوكل أضعاف ما كانت‏.‏

ثم غزا غزوة أخرى في سنة تسع وأربعين ومائتين وتوغل في بلاد الروم ثم عاد قافلًا من إرمينية إلى ميافارقين فبلغه مقتل الأمير عمر بن عبد الله الأقطع بمرج الأسقف - وكان الروم في خمسين ألفًا فأحاطوا به أعني عمر بن عبد الله الأقطع ومن معه فقتلوه وقتل عليه ألفا رجل من أعيان المسلمين وكان ذلك في يوم الجمعة منتصف شهر رجب سنة تسع وأربعين ومائتين المذكورة - فلما بلغ الأمير علي بن يحيى هذا عاد يطلب الروم بدم عمر بن عبد الله المذكور حتى لقيهم وقاتلهم قتالًا شديدًا حتى قتل وقتل معه أيضًا من أصحابه أربعمائة رجل من أبطال المسلمين‏.‏

رحمهم الله تعالى‏.‏

وكان علي بن يحيى هذا أميرًا شجاعًا مقدامًا جوادًا ممدحًا عارفًا بالحروب والوقائع مدبرًا سيوسًا محمود السيرة في ولايته وأصله من الأرمن وقد حكينا طرفًا من هذه الغزوة في ولايته الأولى والصواب أن ذلك كان في هذه المرة وأن تلك الغزوة كانت غير هذه الغزوة التي قتل فيها‏.‏

رحمه الله تعالى وتقبل منه‏.‏

السنة التي حكم فيها علي بن يحيى الأرمني في ولايته الثانية على مصر وهي سنة خمس وثلاثين ومائتين‏.‏

فيها ألزم الخليفة المتوكل على الله النصارى بلبس العسلي‏.‏

وفيها ظهر رجل بسامرا يقال له محمود بن الفرج النيسابوري وزعم أنه ذو القرنين وكان معه رجل شيخ يشهد أنه نبي يوحى إليه وكان معه كتاب كالمصحف فقبض عليهما وعوقب محمود المذكور حتى مات تحت العقوبة وتفرق عنه أصحابه‏.‏

وفيها عقد المتوكل لبنيه الثلاثة وقسم الدنيا بينهم وكتب بذلك كتابًا كما فعل جده هارون الرشيد مع أولاده فأعطى المتوكل ابنه الأكبر محمدًا المنتصر من عريش مصر إلى إفريقية والمغرب كله إلى حيث بلغ سلطانه وأضاف إليه جند قنسرين والعواصم والثغور الشامية والجزيرة وديار بكر وربيعة والموصل والفرات وهيت وعانة والخابور ودجلة والحرمين واليمن واليمامة وحضرموت والبحرين والسند وكرمان وكور الأهواز وماسبذان ومهرجان وشهرزور وقم وقاشان وقزوين والجبال وأعطى ابنه المعتز بالله - واسمه الزبير وقيل محمد - خراسان وطبرستان وما وراء النهر والشرق كله وأعطى ابنه المؤيد بالله إبراهيم إرمينية وأذربيجان وجند دمشق والأردن وفلسطين‏.‏

وفيها توفي إسحاق بن إبراهيم بن ميمون أبو محمد التميمي ويعرف والده بالموصلي النديم وقد تقدم ذكره في ولاية الرشيد هارون‏.‏

وولد إسحاق هذا سنة خمسين ومائة وكان إمامًا عالمًا فاضلًا أديبًا إخباريًا وكان بارعًا في ضرب العود وصنعة الغناء فغلب عليه ذلك حتى عرف بإسحاق المغني ونال بذلك عند الخلفاء من الرتبة ما لم ينله غيره وهو مصنف كتاب الأغاني‏.‏

قال الذهبي‏:‏ أبو محمد التميمي الموصلي النديم صاحب الغناء كان إليه المنتهى في معرفة الموسيقى‏.‏

قلت‏:‏ لم يكن في أيام إسحاق الموسيقي ولا بعده بمدة سنين مثله‏.‏

قال‏:‏ وكان له أدب وافر وشعر رائق جزل وكان عالمًا بالأخبار وأيام الناس وغير ذلك من الفقه والحديث والأدب وفنون العلم‏.‏

قال‏:‏ وسمع من مالك وهشيم وسفيان بن عيينة والأصمعي وجماعة‏.‏

وعن إسحاق قال‏:‏ بقيت دهرًا من عمري أغلس كل يوم إلى هشيم أو غيره من المحدثين ثم أصير إلى الكسائي أو الفراء أو ابن غزالة فأقرأ عليه جزءًا من القرآن ثم أصير إلى منصور المعروف بزلزل المغني فيضاربني طريقين في العود أو ثلاثة ثم آتي عاتكة بنت شهدة فآخذ منها صوتًا أو صوتين ثم آتي الأصمعي وأبا عبيدة فأنشدهما أو أستفيد منهما فإذا كان العشاء رحت إلى أمير المؤمنين الرشيد‏.‏

ومن شعره‏:‏ الخفيف هل إلى أن تنام عيني سبيل إن عهدي بالنوم عهد طويل وكان إسحاق يكره أن ينسب إلى الغناء‏.‏

وقال المأمون‏:‏ لولا شهرته بالغناء لوليته القضاء‏.‏

وفيها توفي سريج - بسين مهملة وجيم - بن يونس بن إبراهيم المروزي الزاهد العابد جد ابن سريج الفقيه الشافعي كان سريج أعجميًا فرأى في منامه الحق جل جلاله فقال له‏:‏ يا سريج طلب كن فقال سريج‏:‏ يا خداي سربسر‏.‏

وهذا اللفظ بالعجمي معناه أنه قال له‏:‏ يا سريج سل حاجتك فقال‏:‏ يا رب رأس برأس‏.‏

وروى سريج عن ابن عيينة وروى عنه الإمام أحمد بن حنبل وأخرج له البخاري ومسلم والنسائي‏.‏

وفيها توفي الطيب بن إسماعيل بن إبراهيم الشيخ أبو محمد الدؤلي كان عابدًا زاهدًا يقصد الأماكن التي ليس فيها أحد وكان يبيع اللآلىء والجواهر وهو أحد القراء المشهورين وعباد الله الصالحين وكان ثقة صدوقًا روى عن سفيان بن عيينة وغيره وروى عنه البغوي وغيره‏.‏

وفيها توفي عبد الله بن محمد بن إبراهيم الحافظ أبو بكر العبسي ويعرف بابن أبي شيبة كان أحد كبار الحفاظ‏.‏

وهو مصنف المسند والتفسير والأحكام وغيرها وقدم بغداد وحدث بها‏.‏

قال أبو عبيد القاسم بن سلام‏:‏ انتهى علم الحديث إلى أربعة‏:‏ أحمد بن حنبل وأبي بكر بن أبي شيبة ويحيى بن معين وعلي بن المديني فأحمد أفقههم فيه وأبو بكر أسردهم ويحيى أجمع له وابن المديني أعلمهم به‏.‏

الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ فيها توفي أحمد بن عمر الوكيعي وإبراهيم بن العلاء زبريق الحمصي وإسحاق الموصلي النديم وسريج بن يونس العابد وإسحاق بن إبراهيم بن مصعب أمير بغداد وشجاع بن مخلد وشيبان بن فروخ وأبو بكر بن أبي شيبة وعبيد الله بن عمر القواريري ومحمد بن عباد المكي ومحمد بن حاتم السمين ومعلى بن مهدي الموصلي ومنصور بن أبي مزاحم وأبو الهذيل العلاف شيخ المعتزلة‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم أربعة أذرع وثمانية أصابع‏.‏

مبلغ الزيادة خمسة عشر ذراعًا وعشرون إصبعًا‏.‏

ولاية إسحاق بن يحيى على مصر هو إسحاق بن يحيى بن معاذ بن مسلم الختلي أمير مصر أصله من قرية ختلان بلدة عند سمرقند ولي مصر بعد عزل علي بن يحيى الأرمني في ذي الحجة سنة خمس وثلاثين ومائتين - ولاه المنتصر بن المتوكل على مصر وجمع له صلاتها وخراجها معًا وقدم إلى مصر لإحدى عشرة خلت من ذي الحجة من سنة خمس وثلاثين ومائتين المذكورة‏.‏

وقال صاحب ‏"‏ البغية والاغتباط ‏"‏ إنه وصل إلى مصر لإحدى عشرة خلت من ذي القعدة وذكر السنة فخالف في الشهر ووافق في السنة وغيرها‏.‏

ولما قدم مصر سكن العسكر وجعل على الشرطة الهياجي وعلى المظالم عيسى بن لهيعة وكان إسحاق هذا قد ولي إمرة دمشق في أيام المأمون ثم في أيام أخيه المعتصم ثانيًا مدة طويلة ثم ولي دمشق ثالثًا في أيام الخليفة هارون الواثق ودام بها إلى أن نقله المنتصر لما ولاه أبوه المتوكل إمرة مصر حسبما تقدم ذكره‏.‏

وكان إسحاق بن يحيى هذا من أجل الأمراء كان جوادًا ممدحًا شجاعًا عاقلًا مدبرًا سيوسًا محبًا للشعر وأهله وقصده كثير من الشعراء ومدحوه بغرر من المدائح وأجازهم الجوائز السنية‏.‏

وكان فيه رفق بالرعية وعدل وإنصاف رفق بالناس في أيام ولايته بدمشق عندما ورد كتاب المعتصم بامتحان الرعية بالقول بخلق القرآن وأيضًا لما ولي مصر ورد عليه بعد مدة من ولايته كتاب المنتصر وأبيه الخليفة المتوكل بإخراج الأشراف العلويين من مصر إلى العراق فأخرجوا وذلك بعد أن أمر المتوكل بهدم قبر الحسين بن علي رضي الله عنهما وقبور العلويين‏.‏

وكان هذا وقع من المتوكل في سنة ست وثلاثين ومائتين وقيل قبلها‏.‏

وكان سبب بغضه في علي بن أبي طالب وذريته أمر يطول شرحه وقفت عليه في تاريخ الإسعردي محصوله‏:‏ أن المتوكل كان له مغنية تسمى أم الفضل وكان يسامرها قبل الخلافة وبعدها وطلبها في بعض الأيام فلم يجدها ودام طلبه لها أيامًا وهولا يجدها ثم بعد أيام حضرت وفي وجهها أثر شمس فقال لها‏:‏ أين كنت فقالت‏:‏ في الحج فقال‏:‏ ويحك‏!‏ هذا ليس من أيام الحج‏!‏ فقالت‏:‏ لم أرد الحج لبيت الله الحرام وإنما أردت الحج لمشهد علي فقال المتوكل‏:‏ وبلغ أمر الشيعة إلى أن جعلوا مشهد علي مقام الحج الذي فرضه الله تعالى‏!‏ فنهى الناس عن التوجه إلى المشهد المذكور من غير أن يتعرض إلى ذكر علي رضي الله عنه فثارت الرافضة عليه وكتبوا سبه على الحيطان فحنق من ذلك وأمر بألا يتوجه أحد لزيارة قبر من قبور العلويين فثاروا عليه أيضًا فتزايد غضبه منهم فوقع منه ما وقع‏.‏

وحكاياته في ذلك مشهورة لا يعجبني ذكرها إجلالًا للإمام علي رضي الله عنه‏.‏

ولما عظم الأمر أمر بهدم قبر الحسين رضي الله عنه وهدم ما حوله من الدور وأن يعمل ذلك كله مزارع‏.‏

فتألم المسلمون لذلك وكتب أهل بغداد شتم المتوكل على الحيطان والمساجد وهجاه الشعراء دعبل وغيره فصار كلما يقع له ذلك يزيد ويفحش‏.‏

وكان الأليق بالمتوكل عم هذه الفعلة وبالناس أيضًا ترك المخاصمة لما قيل‏:‏ يد الخلافة لا تطاولها يد‏.‏

وفي هذا المعنى أعني في هدم قبور العلويين يقول يعقوب بن السكيت وقيل هرب لعلي بن أحمد - وقد بقي إلى بعد الثلاثمائة وطال عمره‏:‏ الكامل تالله إن كانت أمية قد أتت قتل أبن بنت نبيها مظلومًا وعدة أبيات أخر‏.‏

وقيل‏:‏ إن ابن السكيت المذكور قتل ظلمًا من المتوكل فإنه قال له يومًا‏:‏ أيما أحب إليك‏:‏ ولداي المؤيد والمعتز أم الحسن والحسين أولاد علي فقال ابن السكيت‏:‏ والله إن قلت‏:‏ وفي هذه الحكاية نظر من وجوه عديدة‏.‏

وقد طال الأمر وخرجنا عن المقصود ونرجع إلى ما نحن بصدده‏.‏

ولما ورد كتاب المنتصر إلى إسحاق بن يحيى هذا بإخراج العلويين من مصر أخرجهم إسحاق من غير إفحاش في أمرهم فصرفه المنتصر بعد ذلك بمدة يسيرة عن إمرة مصر في ذي القعدة من سنة ست وثلاثين ومائتين بعبد الواحد بن يحيى‏.‏

فكانت ولاية إسحاق على مصر سنة واحدة تنقص عشرين يومًا ومات بعد ذلك بأشهر قليلة في أول شهر ربيع الآخر من سنة سبع وثلاثين ومائتين بمصر ودفن بالقرافة‏.‏

ولما مات إسحاق‏.‏

رثاه بعض شعراء البصرة فقال من أبيات كثيرة‏:‏ الطويل سقى الله ما بين المقطم والصفا صفا النيل صوب المزن حيث يصوب وما بي أن يسقي البلاد وإنما مرادي أن يسقى هناك حبيب السنة التي حكم فيها إسحاق بن يحيى على مصر وهي سنة ست وثلاثين ومائتين‏.‏

فيها حج بالناس المنتصر محمد بن الخليفة المتوكل على الله وحجت أيضًا أم المتوكل وشيعها المتوكل إلى أن استقلت بالمسير ثم رجع‏.‏

وأنفقت أم المتوكل أموالًا جزيلة في هذه الحجة واسمها شجاع‏.‏

وفيها كان ما حكيناه من هدم قبر الحسين وقبور العلويين وجعلت مزارع كما تقدم ذكره‏.‏

وفيها أشخص المتوكل القضاة من البلدان لبيعة ولاة العهد أولاده‏:‏ المنتصر بالله محمد ومن بعده المعتز بالله محمد وقيل الزبير ومن بعده المؤيد بالله إبراهيم وبعث خواصه إلى الأمصار ليأخذوا البيعة بذلك‏.‏

وفيها وثب أهل دمشق على نائب دمشق سالم بن حامد فقتلوه يوم الجمعة على باب الخضراء‏.‏

وكان من العرب فلما ولي أذل قومًا بدمشق من السكون والسكاسك لهم وجاهة ومنعة فثاروا به وقتلوه‏.‏

فندب المتوكل لإمرة دمشق أفريدون التركي وسيره إليها وكان شجاعًا فاتكًا ظالمًا فقدم في سبعة آلاف فارس وأباح له المتوكل القتل بدمشق والنهب ثلاث ساعات‏.‏

فنزل أفريدون بيت لهيا وأراد أن يصبح البلد فلما أصبح نظر إلى البلد وطلب الركوب فقدمت له بغلة فضربته بالزوج فقتلته فدفن مكانه وقبره ببيت لهيا ورد الجيش الذين كانوا معه خائفين‏.‏

وبلغ المتوكل فصلحت نيته لأهل دمشق‏.‏

وفيها توفي إسماعيل بن إبراهيم بن بسام الحافظ أبو إبراهيم الترجماني كان إمامًا عالمًا محدثًا صاحب سنة وجماعة كتب عنه الإمام أحمد بن حنبل أحاديث وروى عنه محمد بن سعد وغيره ووثقه غير واحد‏.‏

وفيها توفي الحسن بن سهل الوزير أبو محمد أخو ذي الرياستين الفضل بن سهل‏.‏

كانا من بيت رياسة في المجوس فأسلما مع أبيهما في خلافة الرشيد هارون واتصلوا بالبرامكة فانضم سهل ليحيى بن خالد البرمكي فضم يحيى الأخوين إلى ولديه‏:‏ فضم الفضل بن سهل إلى جعفر والحسن بن سهل هذا إلى الفضل بن يحيى فضم جعفر الفضل بن سهل إلى المأمون وهو ولي عهد فكان من أمره ما كان‏.‏

ولما مات الفضل ولي الحسن هذا مكانه وزيرًا ثم لم تزل رتبته في ارتفاع إلى أن تزوج المأمون بابنته بوران بنت الحسن بن سهل وقد تقدم ذلك كله في محله‏.‏

ولم يزل الحسن بن سهل وافر الحرمة إلى أن مات بسرخس في ذي القعدة من شرب دواء أفرط به في إسهاله وخفف عليه ديونًا لكثرة إنعامه‏.‏

وفيها توفي عبد السلام بن صالح بن سليمان بن أيوب أبو الصلت الهروي الحافظ الرحال رحل في طلب العلم إلى البلاد وأخذ الحديث عن جماعة وروى عنه غير واحد‏.‏

قيل‏:‏ إنه كان فيه تشيع‏.‏

وفيها توفي منصور ابن الخليفة المهدي محمد ابن الخليفة أبي جعفر المنصور بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس الهاشمي العباسي الأمير عم الرشيد هارون‏.‏

وكان منصور هذا ولي إمرة دمشق للأمين بن الرشيد وتولى أيضًا عدة أعمال جليلة‏.‏

وكانت لديه فضيلة‏.‏

وكانت وفاته في المحرم من السنة‏.‏

وفيها توفي نصر بن زياد بن نهيك الإمام أبو محمد النيسابوري الفقيه الحنفي سمع الحديث وتفقه على محمد بن الحسن وولي قضاء نيسابور مدة وحمدت سيرته‏.‏

وكان نزيهًا عفيفًا‏.‏

رحمه الله‏.‏

الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي إسحاق بن إبراهيم الموصلي وإبراهيم بن أبي معاوية الضرير وإبراهيم بن المنذر الخزامي وأبو إبراهيم الترجماني إسماعيل بن إبراهيم وأبو معمر القطيعي إسماعيل بن إبراهيم والحسن بن سهل وزير المأمون وخالد بن عمرو السلفي وصالح بن حاتم بن وردان وأبو الصلت الهروي عبد السلام بن صالح ومصعب بن عبد الله الزبيري ومنصور بن المهدي الأمير ونصر بن زياد قاضي نيسابور وهدبة بن خالد‏.‏

أمر النيل في هذه السنة الماء القديم خمسة أذرع وخمسة أصابع‏.‏

مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعًا واثنا عشر إصبعًا‏.‏

على مصر هو عبد الواحد بن يحيى بن منصور بن طلحة بن زريق مولى خزاعة وهو ابن عم طاهر بن الحسين ولي إمرة مصر على الصلاة والخراج معًا من قبل المنتصر كما كان أشناس وإيتاخ وغيرهما بعد عزل إسحاق بن يحيى عنها‏.‏

فقدمها عبد الواحد هذا في الحادي والعشرين من ذي القعدة سنة ست وثلاثين ومائتين وسكن بالعسكر على عادة أمراء مصر وجعل على شرطته محمد بن سليمان أبن غالب بن جبريل البجلي‏.‏

واستمر على ذلك إلى أن ورد عليه كتاب المنتصر بعزله عن خراج مصر فعزل في يوم الثلاثاء لسبع خلون من صفر سنة سبع وثلاثين ومائتين ودام على الصلاة فقط‏.‏

ثم ورد عليه في السنة المذكورة كتاب الخليفة المتوكل بحلق لحية قاضي قضاة مصر أبي بكر محمد بن أبي الليث وأن يضربه ويطوف به على حمار ففعل به ما أمر به وكان ذلك في شهر رمضان من السنة وسجن وكان القاضي المذكور من رؤوس الجهمية‏.‏

وولي القضاء بعده بمصر الحارث بن مسكين بعد تمنع وأمر بإخراج أصحاب أبي حنيفة والشافعي رضي الله عنهما من المسجد ورفعت حضرهم ومنع عامة المؤذنين من الأذان‏.‏

وكان الحارث قد أقعد فكان يحمل في محفة إلى الجامع وكان يركب حمارًا متربعًا ثم ضرب الذين يقرؤون بالألحان ثم حمله أصحابه على النظر في أمر القاضي المعزول - أعني ابن أبي الليث المقدم ذكره - وكانوا قد لعنوه بعد عزله وغسلوا موضع جلوسه في المسجد فصار الحارث بن مسكين يوقف القاضي محمد بن أبي الليث المذكور ويضربه كل يوم عشرين سوطًا لكي يؤذي ما وجب عليه من الأموال وبقي على هذا أيامًا‏.‏

ودام الحارث بن مسكين هذا قاضيًا ثمان سنين حتى عزل بالقاضي بكار بن قتيبة الحنفي‏.‏

واستمر الأمير عبد الواحد هذا على إمرة مصر إلى أن صرفه المنتصر عنها في سلخ صفر سنة ثمان وثلاثين ومائتين بالأمير عنبسة بن إسحاق وقدم إلى مصر خليفة عنبسة على صلاة مصر والشركة على الخراج في مستهل شهر ربيع الأول فكانت ولايته على مصر سنة واحدة وثلاثة أشهر وسبعة أيام‏.‏